عملية ردع العدوان: الفواعل والعلاقات(1)
منذ الإعلان عن بداية عملية ردع العدوان التي أطقلتها إدارة العمليات العسكرية صبيحة السابع والعشرين من نوفمبر الماضي تضاربت التحليلات وتداخلت القراءات السياسية والعسكرية للحدث مع الآراء الشخصية والأحكام القيمية، وضاعت بوصلة المتابعين الجدد للأحداث في سوريا بين صور ذهنية عتيقة وتخيّلات ذات دوافع إيديولوجية وطائفية وأوهام مؤامراتية تردّ كلّ ما يجري إلى المخطط الصهيوني والإرادة الأمريكية وغيرها من التخرّسات الغارقة في السطحية.

جنود هيئة تحرير الشام
لقد اتّضح للمتابعين الجادّين للحدث أنّ الجماهير العربية في مجملها بعيدة كلّ البعد عن فهم الواقع السّوري، تماما كما هي عاجزة عن فهم الواقع الليبي أو اليمني، بل أنّ الفجوة بين الرأي العام في دول المغرب العربي ودول المشرق صارت جليّة للعيان فيما يخصّ قراءة الأحداث وتفسيرها، وتأكّد لأصحاب الأقلام الرّصينة أنّ الجماهير التي نامت سنوات طويلة وغرقت في ماجريات حياتها ركضًا خلف الخبز والماء يصعب عليها استيعاب خلفيات الأحداث ودوافعها، وتعجز عن فهم التفاعلات بين الداخلي والخارجي، بين المحلّي والإقليمي والدولي، بل أنّها غير مستعدّة حتى للإنصات لمن يحاول الأخذ بيدها، وفي الوقت نفسه لا تتورّع في زمن الكلام عن الكلام وكيل التّهم وتجعل من الثرثرة والكسل الذهني بديلا عن البحث ومحاولات الفهم الدقيق للأحداث.
وهذا بالضبط ما دفعني لكتابة هذا المقال للإجابة عن سؤالين رئيسيين: من هؤلاء الذين فجّروا معركة ردع العدوان؟ وما انتماءاتهم؟ مع ما يجرّه السؤالان من أسئلة فرعية تخصّ خلفيات النشأة والإيديويوجيات والترابط بين الفصائل نفسها وبينها وبين الفواعل الإقليمية والدولية على أن تقتصر الورقة على الفصائل المشاركة في عملية ردع العدوان تفادياً للغرق في تفاصيل ترتبط بكيانات سياسية وعسكرية أخرى غير ذات علاقة بحدث الساعة.
المعارضة السورية: من التشظّي إلى الوحدة
لم يكن الوصول إلى تشكيل إدارة العمليات العسكرية وتوحيد الجهد السياسي والعسكري سهلا لدى فصائل المعارضة السورية على الرغم من أنّ حلم الوحدة راود جماهير الثورة وقياداتها منذ تحوّل الحراك الاحتجاجي إلى انتفاضة مسلّحة مباشرة بعد تيقّن الثوار بأن نظام الأسد ماض في مسار عسكرة الثورة وقمعها بكلّ الأدوات الممكنة، ثم تحويلها إلى صراع طائفي يأكل الأخضر واليابس.
لقد عرفت سوريا منذ 2011 عشرات، بل مئات التنظيمات المسلّحة التي تنشط في صفوف المعارضة ومع النظام كذلك، منها الإسلامي السلفي، ومنها ما يعرّف نفسه بأنّه إصلاحي تجديدي، وطيف علماني مثّله فريق من قيادات الجيش الحرّ المشكل في معظمه من الضباط والجنود المنشقين عن الجيش النظامي، وسديم آخر من الكيانات العسكرية ذات المنشأ العرقي مثّله تنظيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وحزب الإتحاد الديمقراطي الكرديان، ليأتي تنظيم الدولة في العراق والشام (داعش) كي يضع الجميع أمام أنموذج فوق دولاتي زعزع المنطقة بشكل عام وسوريا بشكل خاصّ ثم اختفى في ظروف غريبة، وقد ينبعث من جديد في أي لحظة، هذا دون نسيان استعانة الأسد بكلّ التنظيمات الشيعية الموجودة في المعمورة؛ من العراق إلى لبنان إلى إيران إلى أفغانستان وباكستان...
من جهة أخرى، استعانت بعض التنظيمات المعارضة بوافدين ومهاجرين من دول أخرى في صراع دولي متشابك، تجد فيه الغرب والشرق؛ أمريكا وفرنسا وبريطانيا وروسيا وإيران وتركيا والكيان الصهيوني والسعودية والإمارات وقطر، حرب مخابراتية وعسكرية وسياسية وطائفية متعددة الأبعاد يحتاج كلّ تفصيل فيها إلى دراسة خاصة به.
وكي نخصّص المقال أكثر، سنعمل على هيكلة المقال ليشمل تتبّعا لأهم أهم محاولات الوحدة بين فصائل المعارضة المسلحة منذ البداية وصولا إلى الفواعل التي أطلقت عملية ردع العدوان. فإليك أهمّ محاولات الوحدة بين فصائل المعارضة السورية المسلحة:
- الجبهة الإسلامية السورية
كانت أول أكبرعمليّة اندماج بين الفصائل المسلحة منذ انطلاق الثورة السورية، حيث أعلنت يوم 22 نوفمبر2013 سبعة فصائل عسكريّة ذات توجهات إسلاميّة عن توحّدها، هي: حركة أحرار الشام إحدى أكبر الفصائل السورية المسلحة، تأسّست سنة 2011 بزعامة حسان عبود حتى مقتله في 09 سبتمبر 2014 رفقة شقيقيه وعدد من قادة الجماعة بلغ أكثر من 45 قائدا بارزا في ضربة خطيرة أفقدتها قوّتها المتعاظمة في ذلك الوقت. يضاف إليها أولويّة صقور الشام (بقيادة أحمد الشيخ) ، وجيش الإسلام (كان يقوده زهران علوش)، ولواء التوحيد (تزعمه أبو عمر حريتان)، ولواء الحق (تزعمه أبو راتب الحمصي) ، وكتائب أنصار الشام (بقيادة أبي عمر) ، والجبهة الإسلاميّة الكردية (رأسها صلاح الدين الكردي). اختارت تلك التنظيمات اسم " الجبهة الإسلاميّة". وجاء في البيان التأسيسي الذي تلاه قائد ألوية صقور الشام أحمد الشيخ )الملقب أبو عيسى ( أنّ الجبهة "هي تكوين سياسي عسكري اجتماعي مستقل يهدف إلى إسقاط النظام وبناء دولة إسلامية راشدة". وانضمت إليها فصائل أخرى صغيرة لاحقا.
وقبل الجبهة الإسلامية كانت هناك محاولة سابقة للإندماج في سبتمبر 2012، حيث شكّل ما يقرب من 20 فصيلا مسلّحا كيانا موحّدا تحت اسم جبهة تحرير سوريا الإسلامية أبرزها: صقور الشام، ولواء التوحيد، ولواء الإسلام، ولواء الفتح، وكتائب الفاروق، وترأس الجبهة قائد صقور الشام أحمد الشيخ. وانضمت قيادتها إلى هيئة الأركان المشتركة في الجيش الحر.
يشار إلى أن بعض تلك الفصائل هي كذلك مسميات جديدة ناتجة عن اندماج فصائل أخرى أصغر بتسميات مختلفة يصعب إحصاؤها كلها، فمن الناحية الميدانية كان في سوريا في السنوات الأولى للثورة في كل محافظة عدّة فصائل، وكل منطقة وبلدة تجد فيها أحيانا أكثر من فصيل مسلّح، وكلّها ذات تسليح خفيف بأسلحة فردية لا تصمد أمام ترسانة النظام.
- جيش الفتح
ويعرف أيضا بجبهة فتح الشام. تأسس جيش الفتح يوم 24 مارس 2015 تتويجا لجهود مضنية هدفت إلى توحد سبع مجموعات كبرى من الفصائل المسلحة الرامية للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد. وضم التنظيم الجديد في ذلك الوقت المجموعات التالية: أحرار الشام، وجبهة النصرة، وجند الأقصى، وجيش السنة، وفيلق الشام، ولواء الحق، وأجناد الشام.
وتعبر جبهة النصرة بقيادة أبو محمد الجولاني التي غيّرت اسمها إلى جبهة فتح الشام أهمّ وأقوى التنظيمات المشكلة لجيش الفتح، وهي تنظيم سلفي جهادي تأسّس أواخر سنة 2011 في مدينة حمص، يسعى حسب بيانه التأسيسي إلى "إعادة سلطانِ اللهِ إلى أرضِه" والثأر لضحايا النظام الأسدي.
أعلنت النصرة انضمامها إلى تنظيم القاعدة سنة 2014 وبايعت زعيمها أيمن الظواهري ثمّ ما فتئت أن أعلنت انفصالها عن القاعدة في 2016، كما قاتلت داعش سنة 2014 في مدينة البوكمال على حدود العراق، وتقاتلت منذ تأسيسها مع ما يزيد عن 30 تنظيما مسلّحا، وتوحّدت مع فصائل أخرى ضمن جيش الفتح ثم كيانات أخرى سيأتي المجال لذكرها. وهي تنظيم مصنّف إرهابيا لدى الولايات المتحدة الأمريكية منذ 2012.
- هيئة تحرير الشام
تأسست سنة 2017 كردّ فعل على بداية مفاوضات أستانا التي تعتبرها جزء من المؤامرة على الثورة السورية، وتستهدف كما هو معلوم إسقاط نظام الأسد وتتفادى الحلول الجزئية معه. وتضم الهيئة عددا من التنظيمات المسلحة الكبرى في منطقة الشمال السوري وتتّخذ من مدينة إدلب مركزا لها، ومن أبرز مشكّليها: جيش الفتح (انظر أعلاه)، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة، وعدد من الفصائل والتنظيمات الصغيرة التي انضمت إليها لاحقا رفقة عدد من الدعاة والشخصيات الاعتبارية في إدلب وحلب وريفها.
تأسست الهيئة لتكون –حسب تصريحات مسؤوليها- كيانا يمثل مرحلة جديدة في الثورة السورية، يتجاوز الاحتراب الداخلي وينقذ الثورة من المؤامرات الدولية والإقليمية التي تعصف بها.
- الجبهة الوطنية للتحرير
تأسست يوم 01 أوت 2018 نتيجة توحّد مجموعة من الفصائل الكبرى التابعة للجيش الحر وفصائل إسلامية أخرى مثل: جبهة تحرير سوريا، وألوية صقور الشام، وكتائب نور الدين زنكي، وتجمع دمشق، وجيش الأحرار، وأحد فروع أحرار الشام. وكلا الفصيلين السابقين كانا متحالفين مع هيئة تحرير الشام.
أنشئت الجبهة بهدف تكوين "نواة لجيش الثورة القادم" حسب تصريحات الناطق الرسمي باسمها في ذلك الوقت، لكنّ الانشقاقات لاحقتها أيضا وفقدت تماسكها بعد انفصال ألوية صقور الشام عنها.
بالمحصّلة، كان الانشقاق والتشظي والانضمام إلى كيانات جديدة والانشقاق عنها من جديد سمة بارزة لدى معظم الفصائل السورية المسلحة في الفترة الممتدة بين 2011 و2023، ولم يكد يسلم منه تنظيم، ولعلّ ذلك هو السبب الأساس لتوحيد الجهد لاحقا ضمن إدارة العمليات العسكرية.
فما هي هوية إدارة العمليات العسكرية الموحدة قائدة عملية ردع العدوان؟
إدارة العمليات العسكرية
هي الاسم الحديث لكيان عسكري وسياسي كان يسمى غرفة عمليات الفتح المبين، وهي هيئة تشكلت سنة 2019 بهدف إدارة العمليات العسكرية في الشمال السوري وتنسيقها. في منتصف عام 2020، أصدرت الهيئة بيانا عن "توحيد الجهد العسكري"، ومنعت تشكيل أي فصيل مسلّح أو غرفة عمليات في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وحصرت الأعمال العسكرية في "غرفة عمليات الفتح المبين".وأعلنت الغرفة في مؤتمر صحفي عقدته عام 2023 عن ترتيب بناء جديد للقوة العسكرية للفصائل العاملة في الشمال السوري، وقالت إن هذه الخطوة ساهمت في "تحقيق توازن القوى في المنطقة"، لكن ما يجب التركيز عليه في هذا الخصوص هو أنّ هذا الكيان الجديد، أي غرفة الفتح المبين هي كذلك نتيجة لمحاولات سابقة للتوحّد بين عشرات الفصائل التي انشق بعضها عن بعضها واندمج مع بعض آخر في حركية معقّدة يصعب تعقّب كل تفاصيلها أوردنا أهمّها فيما مضى من سطور.
وتضمّ إدارة العمليات العسكرية؛ الوريث الشرعي لغرفة عمليات الفتح المبين، كلاّ من: هيئة تحرير الشام، والجبهة الوطنية للتحرير، وحركة أحرار الشام، وجيش العزة. والأخير تنظيم بدأ تحت مسمى لواء شهداء اللطامنة بداية العام 2012، ليتحول إلى تجمع العزة في 2013، ومن ثم جيش العزة في نهاية 2015 بقيادة الرائد جميل الصالح، وانضم إلى التجمع العديد من الألوية و الكتائب الثورية من مختلف الاختصاصات لتقرر عندها قيادة التجمع تشكيل جيش عسكري منظم واستقطاب أكبر عدد من الضباط المنشقين عن نظام الأسد تحت المسمى الحالي جيش العزة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ إدارة العمليات العسكرية ليست الكيان الوحيد العامل في شمال سوريا، حيث يسيطر الجيش الوطني السوري ذو العلاقة المباشرة مع تركيا على جزء من المنطقة، في حين تبسط التنظيمات الكردية المدعومة أمريكياً على مناطق أخرى.
وإن كان هذا هو مسار تشكيل إدارة العمليات العسكرية الذي يمكن اعتباره أكثر تنظيما ونضجا هيكليا في المعارضة السورية، فما ولاءات أطرافه وكيف تدير علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية؟
قبل أن أجيبك على ذلك في مقال قادم، سأهمس لك بشيء: هل تدري أن أحرار الشام وهيئة تحرير الشام أقوى فصيلين في إدارة العمليات تقاتلا طويلا في السابق، والآن هما حليفان يقاتلان صفّا واحد؟ فكّر في الأمر، لا شيء ثابت في السياسة، تخلّص من الكسل الذهني وافتح عينيك!
14 تعليقات
مراد منصوري
٢ ديسمبر ٢٠٢٤مصطفى المحمدي
٢ ديسمبر ٢٠٢٤مختار دباشي
٢ ديسمبر ٢٠٢٤ألف لام
٢ ديسمبر ٢٠٢٤أمير الفاتح.
٢ ديسمبر ٢٠٢٤جمال الحداد
٢ ديسمبر ٢٠٢٤Sadiq Sefouane
٢ ديسمبر ٢٠٢٤المهندس . س.خليفة
٢ ديسمبر ٢٠٢٤لطفي بركاني
٢ ديسمبر ٢٠٢٤طارق سليماني
٢ ديسمبر ٢٠٢٤زكريا
٢ ديسمبر ٢٠٢٤فريد بوعكاز
٢ ديسمبر ٢٠٢٤عثمان حمود
٣ ديسمبر ٢٠٢٤Nouar Sidahmed
١٠ ديسمبر ٢٠٢٤