هكذا بدأ... كذلك نبدأ (1)
لا يوجد وقت مناسب لممارسة السياسة، لأنّ كل الأوقات مناسبة، الفارق فقط أنّ في الفترات التي يطغى فيها القهر والاستبداد يصبح أثناءها الفعل السياسي واجبا. بقدر ما تبدو هذه الكلمات بسيطة وواضحة بقدر ما يجد نقيضها صدى أوسع لدى الأفراد في مجتمعنا، فتسمع دائما عبارة "الوضع غير مناسب، والمجال مغلق أمام الممارسة السياسية..." وسواها من العبارات التي لا ينطق بها عاقل يفكر في معاني المفردات التي يتلفّظ بها قبل أن تنزلق من بين شفتيه

أبو الوطنية الجزائرية من دون منازع
إذا كان الوضع مستقرّا والمجال السياسي مفتوحا فهذا يعني أنّنا ننعم بالحرّية ولسنا في حاجة إلى مناهضة الاستبداد، ببساطة لأنّه لا يوجد ما يستدعي المعارضة، وهذا وضع لا يستقيم كما هو معلوم.
قبل أربع سنوات من احتفال الحكومة الفرنسية بمرور قرن كامل على احتلال الجزائر، كان عامّة الشعب العربي المسلم في حالة من الخضوع التام للعدوّ، تحكم القوانين الاستثنائية كلّ شؤون حياة أولئك الملايين الستة أو الخمسة ممّن اختارت لهم الإدارة الاستعمارية تسمية خاصة؛ درجة بين الإنسان والقرد، أناس يشار إليهم بكلمة قميئة شاعت حتّى استحكمت وأصبح الجزائري المقهور نفسه يردّدها "الأهالي" أو الأنديجان. في تلك اللحظات القاتمة من التاريخ لم يكن يدور في خلد أشدّ المتفائلين أنّ رجلاً من الأهالي، صبيّ ريفي فقير يرتدي أسمالا بالية، أقصى أماني والديه أن يمتهن الحلاقة أو يصبح إسكافياً أو عاملا في مصنع للتبغ عند مستوطن أوروبي، سيصبح بعد مرور سنوات أبرز قادة الكفاح السياسي من أجل الاستقلال. والاستقلال كلمة غريبة عن قاموس الجزائريين ممّن كان أشدّهم تهوّرا ينادي بالمساواة بين الأهلي صاحب الأرض والمستوطن الذي اغتصب أملاك أجداده، لقد كانت الفكرة مجنونة في مجتمع يوجّه فيه الصديق المستوطن لصديقه الأهلي -إذا صحّ أن نطلق وصف الصداقة على تلك العلاقة- في أحسن الأحوال نقدا لاذعا للأهالي بسبب ومن دون سبب، حتّى أنّ صاحبنا يقول تعقيبا على علاقته مع الأوروبي إميل سيسكار: "هناك أمر غريب، كلما تعلم العربي وحاول أن يقترب من الفرنسي ليفهمه أحسن كلما كان العربي عرضة للهزل والاحتقار وفي بعض الأحيان الخشونة"، في جوّ مثل ذلك، هل تتصوّر أنّ عربيًا سيرفع صوته ضدّ الاحتلال؟ هل سيفكّر في النضال؟ إن كنت تعتقد أنّ هناك أوقاتا غير مناسبة للنضال فإنّ ذلك الوقت لم يكن مناسبا ألبتّة للاعتراض على رئيس البلدية.
أمّا إن كنت كافراً بالتفكير الانهزامي فسيكون جوابك مختلفا تماما، وفي تاريخ صاحبنا شواهد على أنّ الوقت الأنسب للنضال هو تلك الفترة التي يخيّم فيها اليأس على الأنفس، ويرخي ليل الظلم سدوله على المجتمع. إني أحاول أن أضعك في سياق ذلك الزّمن الأسود لأزيح عنك كلّ سواد يحجب عن ناظريك نور الأمل في هذه اللحظات، إن كنت تحسب أنّ جهل قومك الآن بحقوقهم عظيم فإنّ جهل أجدادك كان أعظم، ربّما جهلهم كان بسيطا وجهل اليوم مركّب لكن ليس كمثل الاحتلال وقوانين الأهالي ظلم، ولا أظنّ أنّ قومًا بلغ بهم الإخضاع واليأس ما بلغ من أجدادنا وهم يشاهدون المحتلّ يستعد للاحتفال بمئة سنة من استعبادهم، وعلى الرغم من ذلك كان الصبيّ الذي تلقّى أوّل حكمة في حياته من معلّمه في الابتدائية: "كلّ من ليس منظّما يصير لا محالة عبدا لمن هو منظّم" قد صار شابّا يستعدّ لوضع الحكمة موضع التنفيذ.
قبل 51 سنة، يوم الثالث من جوان 1974 توفّي إلى ربّه ذلك الزعيم الوطني الكبير، قضى من أفنى عمره يغرس بذور الحرّية في قلوب الأهالي حتّى تخلّوا عن ذلك الوصف الحقير وصاروا شعبًا، إنّها دروس من حياة مؤسّس الوطنية الجزائرية ألقي إليك بثمرات قطفتها من مذكّراته في ذكرى وفاته كي لا نكون من الفئة التي قال فيها شيخ المؤرّخين: "إنّ تحطيم الأبطال والرموز ظاهرة غريبة تميّز بها الإنسان الجزائري عبر تاريخه، ويكاد يكون فريدا بين الشعوب في ذلك"، ويا لها من ميزة شديدة القبح أعيذك أن تكون من أصحابها، لا أروي عليك هذه المقتطفات لاستصنام الأفراد وهي التهمة التي يبرّر بها ضعاف النفس ومرضى القلوب إخصاء فحولهم وتخوين أبطالهم، وإنّما تقديرا لدور الفرد في التاريخ من جهة، وللاعتبار والاقتداء بالرجال العظماء من جهة ثانية، عسى أن ينفعك ذلك وينتفع بك مجتمعك.
التنظيم في مجتمع مستقيل
"يا سيّد عزت بيغوفيتش، نحن لم نكن يوما خائفين من السلاح، إنّ ما يقلقنا هو أن يقوم 20 شخصا ذوو عقلية متشابهة بتنظيم أنفسهم، أمّا مستودعات مليئة بالسلاح فهذا ما لا يقلقنا ألبتّة"، بهذه الكلمات خاطب مدير المخابرات اليوغوسلافية الزعيم البوسني الشهير بيغوفيتش قبل بداية العدوان الصربي على البوسنة والهرسك.
تحدث مصالي الحاج مرّات كثيرة عن ضرورة التنظيم في مجلة الأمة التي كان يصدرها حزب نجم شمال إفريقيا، ولعلّه كان منفعلا جدّا حين كتب مرّة: " لو كنت آمرا الجزائريين بشيء لأمرتهم بتصريف الفعل نظّم، ينظّم، تنظيماً"، ولو بعث من قبره من جديد لكان سيكرّر نفس الكلمات. إنّ مشكلة التشتّت والعجز عن الانتظام وما يمليه من عمل جماعي ونشاطات تشاركية مشكلة قديمة يعاني منها الجزائريون وعلى الأرجح لم يستطع أغلبهم تلمّس وجودها في ذواتهم، بالتأكيد فإنّ التنظيم أساس الاجتماع البشري والفوضى ليست قدرا محتوما علينا غير أنّها فكرة لا تبدو واضحة كذلك في أذهان الجزائريين قادة ومقودين، حكّاما ومحكومين، فإذا استثنينا الجيش بصفته مؤسسة مبنية على احترام النظام لا نكاد نلمس في الحياة المدنية ما يوحي بوجود فعل منظّم حتّى داخل الكيانات التي تسمّي نفسها منظمات سياسية، إذ يطبع الارتجال والفوضى سلوك الأفراد والجماعات، حتّى ساد الاعتقاد لدى بعض قصار النّظر بأنّه لا مفرّ من الاستعانة بالمؤسسة العسكرية لإدارة الشأن العام، وغاب عن أولئك أنّ استسهال الحلول والهروب من التكوين والتدريب على حلّ المشكلات من آيات العجز والقعود، وأنّ الشأن المدني لا يقيمه غير المدنيين، كما أنّ السياسة مسألة أخطر من أن توضع بين أيدي العسكريين.
إنّ المتأمّل في مسار الحركة الوطنية سيوقن أنّ أعظم قيمة رسّخها زعيم الحركة الوطنية في مجتمعه آنذاك هي تربيتهم على الانتظام في حزب واحد، وإنّه لإنجاز تاريخي أن يتمكّن فرد واحد نشأ في مجتمع غارق في التشتّت من توحيد آلاف الأشخاص في إطار تنظيمي واحد، وينفّذ نصيحة معلّمه بحذافيرها كي لا يكون الأهالي المشتتون عبيدا عند أقلية من الأوروبيين المنظّمين، لقد كانت تلك نقلة نوعية عجز كل الذين سبقوه عن تحقيقها وربّما لم ينتبهوا إليها، وربّما يكون أداء العسكرية والاحتكاك بالشيوعيين الفرنسيين صقل الفكرة التنظيمية أكثر في ذهن مصالي، ففي الوقت الذي كان المهاجرون من مختلف الفئات؛ طلبة وقضاة ومعلمين يعودون إلى مدينة تلمسان ويفتحون النقاشات السياسية من دون أن يتبعوا ذلك بإجراء لأنّ كل واحد منهم كان يفكّر في الدفاع عن وضعيته الشخصية في الإدارة الاستعمارية كما يقول مصالي، كان هو يبحث آليات تحويل القناعات الوطنية التي بدأت تتشكّل لديه إلى برنامج سياسي تتبنّاه قطاعات أوسع من الجزائريين، وبتلك الهمّة العالية والروح الاستقلالية استطاع أن يبتعد تدريجيا عن الشيوعيين دون أن يقطع علاقاته معهم، وفي نفس الوقت يستلهم منهم ليؤسّس نجم الشمال الإفريقي ويسطع معه نجمه زعيما أوحدا للأمّة الجزائرية التوّاقة للاستقلال حين كان باقي الزعماء يبذلون مهجهم لإقناع الحكومة الفرنسية بإلغاء القوانين الاستثنائية مع الحفاظ على ارتباط الجزائر بفرنسا العظمي كما كان يسمّيها بعض السياسيين المشهورين في ذلك الزمن.
اليوم، حين تعيد في خيالك عجلة الزمن قرنًا إلى الوراء ستجد أنّ الفكرة التنظيمية كانت غريبة جدا في البيئة الجزائرية، بل أنّ التفكير في خلق كيان يجمع الجزائريين وتنظيمهم تحت قيادة فرد منهم بعيدا عن سيطرة الإدارة الاستعمارية وأعوانها من القياد والباشاغات كان فعلاً في غاية الإبداع والجرأة كذلك، يشبه أن يقوم المرء اليوم بتحدّي حكومة بلاده جهارا نهارا والإعلان عن تأسيس كيان انفصالي عن الدولة، ولك أن تتصوّر حجم الخطر الذي يحدق بمن يفعل ذلك. لقد فعلها مصالي ونجح في الانتصار على الفوضى والشتات قبل أن ينتصر على الاحتلال، وأفلح في إشعال الشعور الوطني في صدور فئة واسعة من الجزائريين الذين كانوا عاجزين عن تصوّر ميلاد قائد من بينهم في ظلمة ليل الاستعمار. إذا عرفت ذلك فما تقول في أمّة تكرّر فوضاها في بلدها المستقلّ وتدّعي العجز وتتحجّج بالمخاطر وتغرق في السلبية، أليس حالها اليوم أدعى للعمل من البكاء! ألا يجدر بنا الاستلهام من أولئك وتعلم الانتظام من جديد!
إن الالتزام بالمبادئ السامية غير كاف ما لم يتطوّر إلى إجراءات عملية، كما أنّ تأسيس المنظمات ليس غرضا في ذاته كما قد يظنّ من يرى تلك الكيانات الممسوخة ويحسبها تنظيمات وأحزاب ثم يصدر حكمه النهائي بأنّه لا جدوى من استحداث منظمات أخرى، ومن غاص في تاريخ حركتنا الوطنية وتلمّس مواطن العبقرية لدى أصحابها سيعلم يقينًا أنّهم لم يرفعوا شعار الاستقلال حتّى رسّخوا فضيلة التنظيم في عقول المناضلين، وأخذوا بأيديهم ودرّبوهم وكوّنوهم على ثقافة الفعل الجماعي، ولولا ذلك لبقيت الشعارات تلوكها الأفواه ولم تتطوّر إلى برنامج سياسي استقلالي كان لصاحبه مصالي الحاج الفضل من بعد الله في تحرير الأمة الجزائرية من نير الاحتلال.
لم يرفع مصالي حفنة من التّراب ولم يهتف: "هذه الأرض المباركة ليست للبيع" حتّى رسّخ في الأذهان والقلوب معاني الاستقلال، وأصّل لبرنامج سياسي متكامل، وأيقظ شعبا بأكمله من النوم، وأحاط نفسه بقادة ومناضلين تشرّبوا قيم الحرية في الدم والعظم، ولم يكن زعيم الحركة الوطنية شعاراتياً كما يريد عشاق الشعارات أن يقنعوا الجماهير لأنّ الفكرة التنظيمية أعمق من أن يختزلها أحد في مظهر مصالي وسمته ولباسه، ومن يفعل ذلك يسيء إليه من حيث يريد أن يحسن.
في هذا الصدد، عليّ أن أسجّل عبارة لافتة ذكرها السيد مصالي في معرض روايته لتجاربه مع جمعية الأخوة الإسلامية في باريس، تبيّن القدر الكبير من الالتزام والجدّية لديه في مسار تكوينه النضالين يقول: "بعد انتسابي إلى الجمعية لم أتغيّب ولو مرّة واحدة"، عبارة تشير إلى أنّ التدرّب على الانضباط يكتسي أهمّية بالغة حتى في العمل التطوّعي، فمابالك حين يتعلق الأمر بمشاريع التغيير السياسي والاجتماعي الكبرى، اليوم نرى مئات من المنخرطين في الكيانات الجمعوية والحزبية لا يكاد الواحد منهم يحضر اجتماعا أو يتنقل مسافة قصيرة من أجل حضور تجمّع شعبي أو دورة تدريبية، ثم يريد أن يسجّل اسمه في عداد المناضلين.
لقد كان مصالي مؤمنا إيمانا مطلقا بأنّ الفكرة التنظيمية أهم مرتكزات الفعل السياسي، ولعلّه قرأ هذه العبارات؛ وقد ذكر أنّه كان يبحث لدى لينين عن أجوبة لكل القضايا المطروحة، فوعاها وعمل بها. كتب فلايديمير لينين في كتابه "ما العمل؟" ما يلي:
"إذا كان وِفاضك خالياً من الأفكار التنظيمية الخاصة بك، فاعلم أنّ جميع محاولاتك العقيمة فيما يخص الجمهور والمتوسطين (في الثقافة والفهم) تبدو مجرّد لغو مملّ، اعلم إذن أنّ قضايا السياسة والتنظيم قضايا خطيرة بحيث لا يجوز الكلام عنها إلّا بجدّية".
النضال النظري في مقدمة الأولويات
"إن واجب القادة على وجه الخصوص أن يثقّفوا أنفسهم أكثر فأكثر، في جميع المسائل النظرية وأن يتخلّصوا من تأثير العبارات التقليدية المستعارة من العقيدة القديمة". لينين
في مواضع متفرقة من مذكراته، يتحدّث مصالي الحاج بتواضع عن مساره في التعلّم النظري وجهوده من أجل الإلمام بمواضيع التاريخ والسياسة والدين وتطوير قدراته الخطابية سواء في فرنسا في بداياته قبل تأسيس حزب نجم شمال إفريقيا أو أثناء فترة سجنه مع رفاقه في العاصمة بعد أزيد من عقد من النضال، ولا يتحرّج من الاعتراف بأنّه لم يكن يعلم شيئا عن العمل النقابي قبل أن يختلط بالعمال الفرنسيين، لذلك كان يقول دائما حين يقف عند مراحل المطاردة والتضييق أنّه كان يستغل الوقت في القراءة والبحث ليكتسب معلومات تسمح له بالردّ على أسئلة المهاجرين الجزائريين ومناقشة الفرنسيين والمرافعة من أجل حقوق الشعب. في هذا السياق يذكر انطباعه عن إضراب عمال السكك الحديدية سنة 1920: "بالنسبة للجزائريين، إن إضراب السكة الحديدية كان يمثل لهم شيئا غير مسبوق، لم نحضر أبدا إلى حركة مثل هذه خاصة أن أغلبيتنا من أصل ريفي وأنّه أمام المستوطنين لم يكن أبدا في الحسبان أن يرفع أحد سلاحا مثل هذا.... فقد كنا لا نفهم بالضبط ماهية الإضراب"، هذه الكلمات تؤكد من جديد أنّ التثقيف النظري يأتي في مقدمة الأولويات بالنسبة لكلّ من يبحث عن إحداث التغيير في مجتمعه، ولا سبيل إلى ذلك بغير التدريب وقبل ذلك الاعتراف بالجهل ثم العمل على تخطّيه نظريا وتطبيقا. لقد أصبح هذا الرجل الذي اكتشف العمل النقابي في نهاية الحرب العالمية الأولى سيّد العمل السياسي بعد سنوات من ذلك، ولم يعد فقط يدير ويخطّط للاحتجاج الفردي كما كان في سنواته الأولى بل أصبحت حشود العمال تجوب معه شوارع باريس والجزائر وتلمسان، وحيثما ارتحل وجد من خلفه الآلاف يهتفون للحرية ويرفعونه فوق الأعناق.
في إحدى المواقف يقول مصالي عن مداخلة قدّمها في جمعية الأخوة الإسلامية بفرنسا: "لقد سمح لي هذا التدخّل أن أقدّر استعداداتي؛ أي نقائصي واندفاعي، فقد شعرت بالارتباك الذي استولى علي عندما قمت بالتدخل. لم أكن متأكّدا من نفسي وهذا راجع في جزء كبير إلى نقص معلوماتي، فقرّرت أن أبدأ العمل لأتعلّم وأقرأ بكثير من الانتباه"، هكذا هي الوصفة بكلّ بساطة؛ المزيد من القراءة والبحث والتعلم النظري والتطبيقي، ومع مرور الوقت يتحوّل المناضل المبتدئ إلى قائد، فالتجربة الثورية والمهارة التنظيمية -–سب لينين- تكتسبان اكتسابا، والمهمّ أن يرغب المرء في تربية نفسه على الصفات المطلوبة، والمهمّ أن يعي المرء النواقص.
إنّ الميل إلى المبادرة ميزة من ميزات القادة لذلك كان مصالي الحاج وهو الذي يحمل تقديرا كبيرا للأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر ولعبد الكريم الخطابي وينظر بعين الإعجاب لمصطفى كمال أتاتورك في تلك الفترة يقول لرفاقه بأنّه لا ينبغي انتظار الخلاص من هؤلاء وأنّه أيّا كانت مآلات الأحداث في المغرب وتركيا ينبغي علينا أن نشمّر على ذراعينا ونبدأ العمل، لا بأس بالاستلهام من تجاربهم لكن المهمّة نقوم بها نحن وليس من السداد انتظار الحلول من غيرنا. ومن ينظر في حالنا اليوم سيجد لا محالة أنّنا في حاجة للصراخ بنفس الكلمات في وجه الملايين من أبناء شعبنا الذين ينتظرون خلاصهم من الذين تسبّبوا في مآسيهم.
لقد عمل مصالي مع تلك الفئات ومارس نضالا نظريا مريرا مع أدنى الطبقات الاجتماعية: "إنّ ذكر تاريخ الجزائر كان يثير عند مستمعيّ الإسكافيين والبلاغجية والنجارين والطرازين والنساجين ردات فعل مناهضة للاستعمار، إنّ هذا قد شجعني كثيرا، فقد انتبهت إلى أنّ الدعاية الكلامية تأخذ شكل سهرة وكان لها مفعولها الكبير على العمال... إذن فقد واصلت خلال سهرات رمضان الذهاب من حانوت إلى حانوت لأحكي لأصدقائي الأحداث التاريخية الماضية". بذلك كان مصالي يطبّق نصيحة إنجلز بضرورة الجمع بين أنواع ثلاث من النضال؛ السياسي والاقتصادي والنظري، فالأخير لم يكن يعترف بالشكلين الأولين ويرى أنّ النضال يحتاج إلى ضلع ثالث؛ أي النضال النظري الذي يجعل القادة ينزلون إلى مستوى الجماهير لمخاطبتها، ويجعل الأخيرة ترتقي تدريجيا لتشرّب الأفكار النظرية، ومن دون ذلك لن تنهض للدفاع عنها.
إذا عدنا إلى الحاضر سنجد أنّ مفهوم التنظير تمّ تشويهه حتى أنّ المرء يسمع من حين إلى آخر عبارات مثل "كفى تنظيرا، فلان ينظّر فقط..."، يحيلك ذلك إلى شعور ببلوغ المجتمع مرحلة التشبّع النظري، في حين أنّ الأفكار البديهية لازالت مشوشة عند من يدّعون اكتفاءهم من النظريات، وإذا كان الأجداد معذورون بجهلهم فإنّ الأحفاد اليوم لا عذر لهم، وعلينا جميعا أن نتواضع للعلم والمعرفة ونحاول الامتلاء بكلّ ما هو نظري في السياسة ثم الانتقال إلى إنشاء التنظيمات والعمل على تطوير برامج سياسية إجرائية قابلة للمنافسة والتنفيذ.
16 تعليقات
السعيد حديبي
٣ يونيو ٢٠٢٥هبري محمد
٣ يونيو ٢٠٢٥تفور محمد
٣ يونيو ٢٠٢٥نعيمة لونيس
٣ يونيو ٢٠٢٥نورالدين محمد الصالح
٣ يونيو ٢٠٢٥محمد طبال
٣ يونيو ٢٠٢٥أبا طه عمر
٣ يونيو ٢٠٢٥مختار دباشي
٣ يونيو ٢٠٢٥مراد منصوري
٣ يونيو ٢٠٢٥أبو سجود الشبلي
٣ يونيو ٢٠٢٥عزالدين فنيط
٣ يونيو ٢٠٢٥فاروق صاطوري
٤ يونيو ٢٠٢٥هاجر خلاوي
٤ يونيو ٢٠٢٥سليم ايوبي
٤ يونيو ٢٠٢٥hana
٤ يونيو ٢٠٢٥مهدي سلامي
٤ يونيو ٢٠٢٥