كيف تنصر غزّة؟
منذ بدأ العدوان على غزة والمسلمون يتساءلون عن سبل نصرة أهلها، وبين طائفة أضاعها علماء البلاط والمخذّلون فأوهموها أنّ النّصرة بالدعاء كافية وألاّ سبيل إلى الجهاد في سبيل الله إلا تحت راية دولة وظيفية وقيادة حاكم عميل، وبين طائفة أخرى اكتفت بالعويل والنّواح والهروب من المسؤولية، تبرز فئة لعلّها الأكبر من بين المسلمين تسأل عن وسائل النصرة وأدواتها وطرائقها بعد أن كثرت السبل وتعدّدت الأقاويل واختلط الحقّ بالباطل. إلى تلك الفئة أكتب هذا المقال.

اجتمعت على أهل غزة الإبادة والمجاعة
منذ نقض اليهود الهدنة واشتدّ الحصار صار حال أهل غزة الكرام إلى أسوأ حال، وأخرجت الأنفس خبثها فنقص الغذاء والتهبت أسعار ما توفّر منه حتّى أكل الناس ورق الشجر وعلف الحيوانات، وهاهي الأوضاع تتردّى كل ساعة، والعدوّ لا يكفّ عن القتل والتدمير والإبادة مستهدفا الحاضنة الشعبية للمقاومة عسى أن يفتّ في عضد المجاهدين من خلال أهليهم. وإن كانت النصرة واجبة منذ أول دقيقة فإنّها اليوم أوجب ولا يحقّ لأحد أن يتخلّف عنها مهما كانت الأسباب إلاّ أولو العذر ممّن تبرأ ذمّتهم بالدعاء من الفقراء المعدمين والعجزة وقليل ماهم.
إذا كنت ابن بلد عربي يكبّل حكّامه معصميك ويمنعونك من جهاد النّفس، فالنصرة تتمّ وفق مسارين اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر؛ مساران متوازيان يكملان بعضهما، أنت مكلّف بالضرورة بانتهاجهما ولست مخيّرا ألبتّة في ذلك، حتى لا تقول ذات يوم ها قد أدّيت واجبي إذاما بذلتَ دينارا أو اثنين فافقه ذلك إن كنت تبتغي النّجاة واعلم أنّك آت ربّك يوم القيامة فردًا ولن تسأل عن موقف حكومة متخاذلة ولا عن خيانة مسؤول عربي الإسم عبري الفعال، ولن ينجيك يوم يتبرّأ الذين اتُّبعوا من الذين اتّبَعوا أن تقول أنّك كنت مستضعفا في الأرض: الأول مسار على المدى اللحظي والقصير والثاني على المديين المتوسّط والطويل.
يقتضي المسار الأول النصرة بالأموال؛ كأن ترسل التبرّعات بالطرق التقليدية والحديثة إلى أهل غزّة من المدنيين سواء عن طريق الأفراد الموثوقين الذين تعرفهم أو عن طريق الجمعيات والفرق التطوّعية، وإنّي أفضّل لك أن تتعامل بالعملات الرقمية التي لا تستطيع الحكومات مراقبة حركتها وتتبّع مسارها وتحويلها ومصادرتها إن كنت في دولة توالي حكومتها الكيان الصهيوني مثل حكومات مصر والأردن والإمارات والسعودية والمغرب وغيرها من الأنظمة التي أعلنت تهوّدها سياسياً.
واحرص على تخصيص نصيب من تبرّعاتك للقابضين على الزّناد، وقد تيسّر ذلك مع التطوّر التقني اليوم إذ يكفيك أن ترسل بريدا إلكترونيا للقائمين على الإعلام في الكتائب المظفّرة وسيردّون عليك برسالة فيها روابط المحافظ الرقمية التي تستطيع عن طريقها إيصال أموالك إليهم عسى أن تكتب عند الله من المجاهدين بأموالهم مادام قد فاتك جهاد النّفس. ولا تسمعنّ لمن يقول لك أنّ أولئك الأبطال محاصرون فلا يستطيعون التصرّف في الأموال فإنّها حجّة المخذّلين والخوالف، لقد سئل الشيخ أحمد ياسين من أين يشترون السلاح فقال أنّهم يشترونه من اليهود أنفسهم؛ من المدمنين وعبّاد الأموال الذين يخونون قومهم مقابل دراهم معدودات، وتذكّر أنّك مكلّف بفعل ما طُلب منك وأهل الخنادق أدرى بما هو أصلح فكن من المنفقين ولا تكن من المتفذلكين.
أما الأداة الثانية فهي المظاهرات والمسيرات الشعبية، وأكثرها نفعا حصار سفارات الدول المؤيدة للكيان المجرم وعلى رأسها سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لإيصال رسالة بأنّ مصالحهم مهدّدة، فهؤلاء أحرص الناس على المال والحياة ولن يرتدعوا إذا لم يروا من الأمّة ما يهدّد وجودهم في أرضها، ويكفي أن تحاصر السفارات لأيّام حتّى تتغيّر المعطيات جميعا؛ ولا داعي لتسمع مجدّدا للمخذّلين فقد طلبت فصائل المقاومة ذلك من الشعوب مرارا وتكرارا، ولست أدرى من هؤلاء بمصالحهم.
ثم أنّ المسيرات واحدة من سبل الضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف أكثر جرأة في تأييد غزة، فإن كانت هذه الحكومات تريد النصرة وعاجزة أمام سطوة الأمريكيين فسيكون تظاهرك تأييداً للصادقين فيها وشدّا لأزرهم وتشجيعا لهم، وإن لم يكن من بينهم صادق فهو ضغط جماهيري يضطرّهم إلى التفاعل مرغمين، وتذكّر أن المستبدّ يخاف رعاياه أكثر مما تخاف الرعيّة منه واقرأ إن شئت هذه الكلمات للكواكبي في طبائع الاستبداد: "إن خوف المستبد من نقمة رعيته أكثر من خوفهم بأسه، لأن خوفه ينشأ عن علمه بما يستحقه منهم؛ وخوفهم ناشئ عن جهل، وخوفه عن عجز حقيقي فيه، وخوفهم عن توهم التخاذل فقط ؛ وخوفه على فقد حياته وسلطانه، وخوفهم على لقيمات من النبات على وطن يألفون غيره في أيام؛ وخوفه على كل شيء تحت سماء ملكه، وخوفهم على حياة تعيسة فقط".
يضاف إلى ذلك كلّ مقدور عليه من النشر والكتابة والإعلام بمختلف الأدوات واللغات، ومقاطعة الشركات المناصرة للعدوّ وحثّ الناس على المقاطعة، وتذكيرهم بواجب التبرّع والمساهمة بالأموال، واعلم أنّ واجب النصرة بالمال لا يسقط عنك بالمقاطعة، وأنّ الأخيرة لا يجزئ عنها الدّعاء، وهكذا، فكلّ مقدور عليه واجب لا يسقط بما هو دونه.
وأما المسار الثاني، فأقلّ ما يقال فيه أنّه استراتيجي يحتاج صبرا وجلَدا وثباتا وتخطيطا وطول نفس، أعني أن يكون عملك مركّزا على المساهمة في تغيير هذه الأنظمة التي تكبّلك وتمنعك من النّصرة، وأن تبذل في ذلك كلّ ما تقدر عليه من جهد وعلم ومال وصحّة، وليكن هدفك المشاركة في بناء دولة قويّة مستقلّة ومتحرّرة من كل القيود الأجنبية؛ لا يمنعك حكّامها من الوقوف مع إخوانك في مختلف الدّول فاليوم غزّة وغدا أرض إسلامية أخرى، فقبل غزّة قد خذلنا الخرطوم وصنعاء وحلب والغوطة، ومن قبل خذلنا بورما وبغداد والموصل وكابول وسبرينتشا، ومازال حلف الصليب واليهود يحاربنا ومازلنا نخذل أنفسنا حتّى يأتينا السكّين.
فإن وجدت وأنت تسير في درب التّغيير في بيت فرعون مؤمنًا تعاون معه واسنده ويسندك، لا تستعدِ من مدّ يده إليك كما فعل الذين من قبلك، ولا تبسط يدك إلى الخائنين فتقعد ملوما محسورا، وإن لم يكن في القنافذ أملس فواجبك ألّا تكون فأرا مذعورا فتترك بلادك مشاعاً للقنافذ، واجعل هدفك بناء دولة لا يظلم فيها مؤمن ولا تخذل مؤمناً، لا أن يكون هدفك تحسين شروط العبودية أو الاستفادة ممّا تجود به الأنظمة.
يبدأ ذلك بأن تنعش وعيك، وتخلص في سعيك، وتتعلّم وتتدرّب وتكوّن نفسك وتدخل السياسة من أبوابها؛ أن تنتظم وتفكّر وتبذل وسعك لتكون فرداً مصلحاً يعتمد عليه الآن وفي المستقبل، ولا تقل "ما أفعل وحدي" فكلّ جماعة كانت آحاداً، ولا تقل "ما لي وللسياسة" فإنّ الأمة ما انحطّت إلا حين ساسها أراذل الخلق، ومن لم يكن رأساً في الإصلاح أو فردا في فريق المصلحين كان ذيلا للمفسدين ولو أبى. ولا تنس أن المسار الأول لا يغني عن الثاني، والثاني لا يغني عن الأوّل، ثم اخشوشن فإنّ الأمن الموهوم لا يدوم.
إنّ معركة الحكم هي أمّ المعارك فاجعل ذلك نصب عينيك، وها أنت ترى كيف فضح طوفان الأقصى كلّ المتخاذلين والخونة وكشف لك قوائم العملاء بأسمائهم وصفاتهم وعناوين قصورهم، قد كنت تقرأ عن ملوك الطوائف فأراك الله من هم أنذل منهم، وكنت تسمع عن أبي رغال ولا تراه واليوم تنظر حواليك فترى في كلّ زاوية نسخة محدّثة منه، وعلّك كنت تستغرب كيف استنجد أهل سرقسطة إخوانهم في الأندلس فلم يجيبوهم فهل تستغرب اليوم فعلك وقد استغاث بك أهل غزة فلم تلبّ نداءهم؟
قد بسطت لي ولك طرائق النصرة وسبل الإغاثة صعبها ويسيرها، آجلها وعاجلها، وبيّنت لك ما قد يكون غاب عنك، فلا يلبّسنّ عليك اليوم شيطان إنس ولا جانّ.
14 تعليقات
djihane legra
٢ مايو ٢٠٢٥reghdjamel@gmail.com
٢ مايو ٢٠٢٥مصطفاوي اميرة
٢ مايو ٢٠٢٥مراد منصوري
٢ مايو ٢٠٢٥مختار دباشي
٢ مايو ٢٠٢٥طيب بن منصور
٢ مايو ٢٠٢٥حمو
٢ مايو ٢٠٢٥عثمان خضار
٢ مايو ٢٠٢٥سعيد وشريف
٢ مايو ٢٠٢٥باية باديسة قادري
٢ مايو ٢٠٢٥سعاد طه
٥ مايو ٢٠٢٥إحسان قواوي
١٦ مايو ٢٠٢٥رؤيا
١٦ مايو ٢٠٢٥Zermmus
١٢ يونيو ٢٠٢٥