شعوب أضعف الإيمان!

موسم الرياض
قبل سنتين ونيّف، قرر فلاديمير بوتين مهاجمة أوكرانيا، تزامن أزير الطائرات وهدير المدافع مع خطاب تاريخي طويل ألقاه بوتين، توكأ على عصا التاريخ الغليظة وتقدم بخطوات واثقة يستنهض همة شعبه، حدثهم عن روسيا القيصرية وانتقد لينين والبلاشفة، لم يرحم أسلافه تصريحا تارة وتلميحا تارة أخرى، رمى الجميع عن قوس واحدة ليثبت صحة مقاربته السياسية التاريخية بأحقيته في أراضي دولة أوكرانيا، وبعد أسابيع تنادت أوروبا وأمريكا، رفعت حالة التأهب في دول شرق أوروبا وحط حلف الأطلسي بطائرته وصواريخه الاستراتيجية على بعد دقائق من عاصمة الدب الروسي الهائج، وانقلبت الموازين على حين غرة، صار النضال العالمي ضد بوتين الشرير القاتل فرض عين في شريعة الغرب بعد أن كان الجهاد العالمي جريمة لدى الغربيين وأذنابهم، وهل تجرؤ الأذناب على غير اتباع مقالة الأسياد! الجهاد العالمي ممنوع إذا كان ضد الغرب لكنه مستحبّ، بل واجب حين يكون الخصم روسيا أو الصين، والتحقت جحافل المرتزقة والمقاتلين من أوروبا وأمريكا فتراهم من كل عاصمة إنجيلية ينسلون.
في تلك الأيام لم تكن الاستجابة رسمية فحسب، حتى الجماهير شاركت في الحملة ضد الروس المجرمين، امتلأت الساحات والملاعب بأعلام أوكرانيا المظلومة، وفتحت الحدود لللاجئين، وكرّست محطات التلفزيون للرائح والغادي، يكفي أن تكون عدوّا لموسكو لتدعو إلى قتال الروس وجمع الأموال والمتطوّعين، وهكذا سيّرت حجافل المرتزقة إلى الإقليم الأوكراني وغرقت أوروبا في حربها المقدسة للحفاظ على الرجل الأبيض.
دعك الآن من الروس والأوكران، اقفز قليلا على الأحداث والتواريخ وتعال معي إلى صباح السابع من أكتوبر المجيد، ذاك الصباح الحافل الذي أرّخ ليوم من أعظم الأيام التي عاشها جيلنا، لقد منّ الله علينا برؤية جند الله يدوسون جباه الصهاينة الغاصبين، يقتلون فريقا ويأسرون فريقا، ورأيت اليهود سكارى وما هم بسكارى لكن بطش المجاهدين شديد، وكان حقّا على الله نصر المؤمنين. في تلك الصبيحة المباركة انبرى أبرز قائد عسكري عربي في تاريخنا المعاصر يخاطب جماهير أمّته يكرّر (الآن الآن) دعا أصحاب السلاح إلى القتال ضد الحلف اليهودي-الصليبي دفاعا عن مسرى نبيّهم عليه الصلاة والسلام، استنهضهم بكل ما أوتي من أدوات البلاغة مستعينا بنصوص القرآن ودروس التاريخ البعيد والقريب، ضرب على مواطن الكرامة والإباء في عروبتهم، وطرق باب الحميّة الدينية في صدورهم، وعاد إلى ما كان فيه من إعداد وجهاد، لعلّه كان ينتظر حراكا كالطوفان يقوم به أبناء أمّته التي يتحمم جزء منها منذ عقود في الدماء؛ في البلقان وأفغانستان، وفي الموصل وحلب وصنعاء وبنغازي، ولعلّه كان ينتظر يقظة ضمير الجزء الباقي؛ ذاك الذي تربّى تحت إمرة الصبيان، جيل كرة القدم والحفلات والأغاني الصاخبة، أولئك الراكبون البحر لتحقيق الحلم الأمريكي، وأولاء المنتظمون في الطوابير على بوّابات الملاعب وقاعات المسارح، لعلّ أبا خالد ظنّ بأمّته خيرا كبيرا وانتظر فعلاً بحجم الطوفان، ولعلّه كان أعلم منّا بحالنا فأعذر إلى ربّه ثم رجع إلى حيث كان يكمل الطريق وحده، كأنّي به وبإخوانه كأبي ذر، يمشون وحدهم ويموتون وحدهم ويبعثون وحدهم، وقبل الموت الشريف يقاتلون وحدهم ويثخنون وحدهم لا ينتظرون من أمة مليارها كأفّ ووزنها كتفّ أكثر من أضعف الإيمان.
وأضعف الإيمان عند القاعدين أضعف من ضعيف، أترى أمّة يقتل ويهجّر نساؤها وأطفالها وتنتهك حرماتها ويُشتم نبيها ويدنّس مسجدها تؤدّي أضعف الإيمان؟ أضعف الإيمان عند شعوبنا الواهنة هو الدعاء ليس إلاّ وما يدريك كم عدد الداعين بصدق، المتألمون بحق، الحاملون همّ دينهم وأهلهم! ثم متى كان أضعف الإيمان هو الدعاء وحده في زمن المذابح، متى كانت المحاريب بديلا عن الحراب، ومن أين لفقهاء القعود تبرير القعود عن الجهاد بالدعاء للمجاهدين! كيف وقد حوصر المؤمنون وذبّحوا وأحرقوا وهدّمت المساجد ومات المرضى في المشافي واستشهد الأطفال جوعا وعطشا يكون الدعاء هو أضعف الإيمان؟ أليس أضعف الإيمان في هذه الظروف مدّ المجاهدين بالسّلاح والمال والغذاء، وكسر الحدود من شعوب دول الطوق، وحرق سفارات الأعداء في الدول البعيدة، وإجبار الحكومات العميلة أو المتخاذلة أو العاجزة على الحراك ومن أبى يكون الضرب فيه قبل أن يكون في الأعداء المباشرين؟ من قال بأضعف الإيمان فقد خان ولو قصد غير ذلك، ولن نوقف الأعداء بالدّعاء، ولا خير في أمّة تدعو بالنصر ولم تجب داعي الجهاد حين دعاها.
تقول الشعوب هذه الأنظمة تقيّدنا، ثم لا تبذل جهدا لفكّ قيودها، تنتظر أن يتنزّل عليها ملك من السماء ليقتل الأعداء ثم تدعو له بعد ذلك، وتقول نخبها الداجنة هذه الحكومات تمنعنا، ثم لا تحرّك ساكنا لإيقاظ جماهيرها من السبات وإسقاط تلك الأنظمة، الجميع ينتظر الجميع حتى يستشهد جميع أهل غزة، وينطفئ شعاع الكرامة الوحيد لدى هذه الأمة المخدّرة بخرافات الدولة الوطنية، الراكضة خلف القيم الاستهلاكية، تظنّ سكين اليهود بعيد عن رقابها كما ظنّ من كان قبلها، والشقيّ من اتعظ بنفسه، والظاهر أنّنا أشقاها.
فانظر رحمك الله إلى شعوب الصليب كيف تنادت "حيّ على قتال الروس" وهي ظالمة تقاتل ظالما، وانظر إلينا وقد صرخ فينا كلّ قادة الجهاد في فلسطين "حيّ على الجهاد" فكأننا سمعناها "حيّ على الرقاد" فنمنا، ويبدو أنّ أوان الاستيقاظ بعيد.
انظر إلى استجابة الروس لنداء بوتين، وتأمّل سلوك الروم في نصرة الأوكرانيين، ثم ارجع البصر كرّتين ترى ما أرى، ثم اعقد العزم على أن تكون ندّا لهذه الأنظمة الخائنة أو تهلك دون ذلك، وإنّك إن لم تهلك في نصرة أهلك هلكت على يد العدوّ ولم تستطع نصر نفسك.
43 تعليقات
مهجة
٢٤ أكتوبر ٢٠٢٤أمير
٢٥ أكتوبر ٢٠٢٤Houssam
٢٥ أكتوبر ٢٠٢٤R_H
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤كريم كريم
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤محمد نذير
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤عابر سبيل
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤قلال زبير
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤mamoun aouir
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤يوسف
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤Noureddine Laib
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤لواج طنترق
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤حسام
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤الجيلالي عوني
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤سعيد
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤Salim
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤CHAWKI GSM
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤سعاد طه
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤رشدي عاشور
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤مراد منصوري
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤Titoumohamed
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤إسماعيل عبد الرحمان
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤بهون ح ابراهيم
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤شيبوط الزين
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤mbachir 30
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤طارق زيري
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤زكريا
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤rebailazhar98@gmail.com
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤rebailazhar98@gmail.com
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤لزهر ربيعي
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤Dridi Wahid
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤Bennana mohamed
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤بوبكر علوي
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤بوبكر علوي
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤عبد الرحيم
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤Amar
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤إسحاق
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤عثمان خضار
٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤نجيبة عابد
٢٧ أكتوبر ٢٠٢٤مصطفى بابا
٢٧ أكتوبر ٢٠٢٤Islam
٢٨ أكتوبر ٢٠٢٤وردة
١ نوفمبر ٢٠٢٤مسعودي بوعلام
١٧ مايو ٢٠٢٥